عقوق الوالدين في الإسلام
عقوق الوالدين يتمثل في بعض الأفعال والأقوال التي تسبب أذى الوالدين من قبل أبنائهم. يشمل ذلك تجاهلهم وتجاهل توجيهاتهم، ورفع الصوت عليهما، وعدم احترام أوامرهما، والتصرف بجفاء وازدراء تجاههما، وتجاهل حديثهما، والتحدث بكلام بذيء أو انتقادهما أمام الآخرين، ونشر شائعات سلبية عنهما، وقضاء وقت طويل خارج المنزل دون إذنهم، والتمني بوفاة الوالدين أو نقلهما إلى دور العجزة، والتقليل من إعطائهم الأموال وإهمال رغباتهما، انتقاد الطعام الذي يعده الأم.
بالإضافة إلى ذلك، يمكن أن يشمل عقوق الوالدين أيضًا دخول المنكرات إلى المنزل أو القيام بها أمامهما، والاعتداء عليهما بالضرب أو حتى القتل، وإثارة المشكلات والخلافات بينهما أو مع أفراد الأسرة الآخرين، وتكرار الشكاوى والأنين أمام الوالدين لإلحاق الأذى بهما، ومنعهما من الاستمتاع بحياتهما وعرقلة رغباتهما.
يمكن القول إن العقوق هو تصرفات تجعل الوالدين يشعرون بالحزن والألم، وتقدح في مشاعرهم وتجرح كرامتهم. يجب على الأبناء أن يدركوا أن الوالدين قد قدموا الكثير من التضحيات والرعاية لهم طوال حياتهم، وبالتالي يجب عليهم احترام واحتضان الوالدين والعناية بهما في كل الظروف.
عقوق الوالدين في الإسلام
تحث التعاليم الدينية الإسلامية على بر الوالدين كواحد من أحب الأعمال إلى الله تعالى. ويتطلب الإحسان إلى الوالدين الإيمان بالمعبودية الواحدة لله، حيث يعتبر عقوق الوالدين محظوراً ومن الكبائر. أمر الله المسلمين ببر الوالدين وطاعتهما بناءً على أدلة كثيرة من القرآن الكريم والسنة النبوية. في سورة الإسراء، يقول الله تعالى: “وقضى ربك ألا تعبدوا إلا اياه وبالوالدين احسانا إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما وقل لهما قولًا كريمًا واخفض لهما جناح الذل من الرحمة وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيرا ” (الإسراء: 23-24). في هذه الآية الكريمة، نرى أنه يجب على المسلم أن يتحلى بالصبر والاحترام والطاعة تجاه والديه، وأن يتصف بالأدب واللطف والتواضع أمامهما، وأن ينطق بهما بكلمات نبيلة، وأن يتواضع ويتضرع في الدعاء لهما، ويبتهج بلطف الله تجاههما ورحمته تجاههما، تمامًا كما علمنا النبي محمد صلى الله عليه وسلم.
في سورة سبأ، يقول الله تعالى: “ذلك جزيناهم بما كفروا وهل نجازي إلا الكفور” (سبأ: 17). في هذه الآية الكريمة، ندرك عقوبة الله للذين يكفرون بعد بر الوالدين وعدم مراعاتهما. يجب أن يعتبر المسلمون بر الوالدين فرصة لتحقيق الجزاء والثواب من الله تعالى.
وفي سورة النساء، يدعو الله تعالى المسلمين إلى عبادته وحده وعدم الاشتراك معه في العبادة، وأن يتصفوا بالإحسان إلى الوالدين.
في السنة النبوية، حذر نبينا الكريم محمد صلي الله عليه وسلم من عقوق الوالدين وأشار إلى عذاب الفاعل في نار جهنم. قد نقل العديد من الأحاديث التي تحذر من هذا الفعل وقد ورد عنه ما يلي:
أوجب الله عليكم احترام الأمهات ورعاية البنات، ومنعهن من الأجوبة المتطاولة وإهدار المال.
رضا الله في رضا الوالد وسخط الله في سخط الوالد.
هل أخبركم عن أكبر الكبائر؟ هي الإشراك بالله، والعقوق، الإدلاء بشهادة زور.
ثلاثة أمور لن ينظر الله إليهم يوم القيامة: العاق لوالديه، المرأة التي تتصرف بطريقة رجولية، والزاني.
ثلاثة لا يسمح لهم بدخول الجنة: العاق لوالديه، والمدمن على الخمر، والذي يمتنع عن إعطاء الآخرين بالرغم من قدرته على ذلك.
كل الذنوب يمكن أن يؤخر إلى يوم القيامة إلا البغي والعقوق وقطيعة الرحم، فإن الله يُعَجِّل عقوبتها في الدنيا قبل الموت.
ما هو جزاء عقوق الوالدين؟
تحظر الشريعة الإسلامية بشكل واضح وقاطع من العقوق وتعتبره من الكبائر الذنوب التي يجب تجنبها. ففي القرآن الكريم يقول الله تعالى في سورة الإسراء: “وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما وقل لهما قولا كريما” (القرآن الكريم، سورة الإسراء، الآية 23).
لقد أكد النبي محمد صلى الله عليه وسلم على أن العقوق من أكبر الذنوب، فقد قال: “ألا أخبركم بأكبر الكبائر؟ قالوا: بلى يا رسول الله. قال: الإشراك باللَّه، وعقوق الوالدين ” (صحيح البخاري، كتاب الأدب، باب العقوق).
وفتح الله عز وجل بابين من أبواب جهنم لمن يعق والديه، وأبلغ عن ذلك النبي محمد صلى الله عليه وسلم قائلاً: “ما من مسلم يصبح ووالداه عنه راضيان، إلا كان له بابان من الجنة، وإن كان واحداً فواحدٌ، وما من مسلم يصبح ووالداه عليه ساخطان إلا كان له بابان من النار، وإن كان واحداً فواحدٌ” (صحيح البخاري، كتاب الرقاق، باب من أدخل الجنة ومن أدخل النار؛ مسند الإمام أحمد).
ويعاقب العاق لوالديه في الدنيا قبل الآخرة، فقد أخبرنا النبي محمد صلى الله عليه وسلم أن العقوبة ستأتي عاجلاً وليس آجلاً للعاق لوالديه، فقد قال: “ما من ذنب أجدر أن يعجل الله لصاحبه العقوبة في الدنيا مع ما يدَّخر له في الآخرة من البغي وقطيعة الرحم” (مسند الإمام أحمد).
بالإضافة إلى ذلك، يعاني العاق لوالديه من عدة آثار سلبية في حياته، فقد يفتقد البركة في عمره وحياته ويعاني من قلة الرزق وعدم استجابة دعائه، ويمكن أن تؤثر عقوقه لوالديه في رفع أعماله إلى السماء.
أسباب عقوق الوالدين
توجد العديد من الأسباب التي تؤدي إلى عقوق الأبناء لوالديهم وعدم احترام حقوقهم. تعتبر واحدة من هذه الأسباب تفريط الآباء والأمهات في أداء واجباتهم تجاه أبنائهم. يعني ذلك أنهم لا يعتبرون حقوقهم ولا يلتزمون بالمسؤوليات اللازمة تجاههم. هذا السلوك يساهم في بناء جيل لا يعترف بحقوق الآباء والأمهات وقيمتهم.
تعتبر واحدة من الأسباب الأخرى لعقوق الأبناء تمسك بعض الآباء والأمهات بأنماط تربوية قديمة وغير متوافقة مع مستجدات العصر وتطور الحياة. يجب أن يكون للآباء والأمهات فهم أن التربية تتجاوز الاهتمام الجسدي والصحي وتشمل أيضًا الرعاية النفسية وتنمية القيم الحسنة والأخلاق.
بعض الآباء لديهم عادة الاستعجال في الوصول إلى نتائج التربية وتحقيق أهدافها. يجب أن يتذكروا أن التربية هي عملية تدريجية تحتاج إلى وقت لتحقيق النتائج المطلوبة. وبالإضافة إلى ذلك، يجبرون أبنائهم على الانصياع لأوامرهم ولا يتساهلون في حالات الأخطاء. وهذا السلوك يولد مشاعر سلبية لدى الأبناء نحو الوالدين في المستقبل. كما يمكن أن يتضمن أيضًا استخدام العنف في تربية الأبناء.
تعتبر الدلالة المفرطة للأبناء والتعامل معهم بلطف بحجة صغر سنهم أحد الأسباب الأخرى لعقوق الوالدين. يجب أن يتذكروا أن عملية التربية تبدأ منذ الصغر وتتطلب توجيهًا وتوجيهًا صحيحًا للأبناء.
يمكن أن تكون الاعتمادية الزائدة للآباء والأمهات على المسؤولية الكاملة لتربية الأبناء سببًا آخر للعقوق. يجب أن يشارك كلا الوالدين بالتساوي في المسؤولية وأن يعملوا معًا لتربية الأطفال وتطويرهم.
اشكال العقوق بالوالدين
عقوق الوالدين يتجسد في عدة سلوكيات قد تؤدي إلى الإضرار بهم، فمن هذه السلوكيات رفع الصوت عند التحدث معهما أو إلقاء الأوامر عليهما، مما يظهر عدم احترامهما وإهانتهما. كما يمكن تجاهل طلباتهم والتعبير عن الاستياء والتذمر منها تعبيرات العبوس في وجهيهما.
بالإضافة إلى ذلك، يمكن أن يتم إدخال الحزن إلى قلب الوالدين عبر الأفعال أو الأقوال، مثل القول بأمور محزنة أو القيام بأفعال تسبب لهما الألم والأسى.
من أبشع السلوكيات التي تعتبر عقوقاً للوالدين هو عدم الاستماع جيداً لحديثهم أو تجاهله، فمن الضروري أن نعطيهم الاهتمام والاحترام الذي يستحقونه.
وقد يتم تجاهل حجم الأذى الذي قد يسببه سوء ظننا بالوالدين وذكرهما بسوء أمام الآخرين، وهذا يسبب لهما الإحراج ويزيد من مشاعرهم السلبية.
ترك الوالدين وحدهما لساعات طويلة دون وجود أحد من أبنائهم بجانبها يعتبر تقصيراً في إيفاء واجبنا تجاههم واحترام حقوقهم.
من الأمور التي يجب الحرص عليها أيضاً هي تفضيل تلبية طلبات الزوجة ورغباتها على طلبات الوالدين، الأولوية يجب أن تكون للوالدين الذين ربونا وتربينا وسعوا جاهدين لراحتنا.
ومما لا يمكن تجاهله هو استخدام العنف الجسدي أو الإساءة للوالدين، حيث يتم إيذاؤهما ووضعهما في دور المسنين الضعفاء، ويصل الأمر في بعض الحالات إلى الدعاء عليهما أو التمني بزوالها.
أخيراً، لا ننسى أهمية المساهمة المالية في دعم الوالدين وتوفير احتياجاتهم، فالبُخل والشح في الإنفاق على الوالدين يعتبر أيضاً عقوقاً لهما واختياراً للجشع والانغماس في الدنيا المادية.
من الضروري أن نفهم أن والدينا هما سبب وجودنا في هذه الحياة.
وفى الختام، الإسلام يعتبر عقوق الوالدين من الذنوب الكبيرة التي تحظى بالاهتمام الخاص. تعلمنا الشريعة الإسلامية أن الأهمية القصوى يجب أن تعطى لاحترام والدينا وعنايتهم بهما. فالوالدين هما الجسر الذي نعبر عن طريقه إلى الجنة.
علاقتنا بوالدينا هي علاقة مبنية على الإحسان والبرّ. فعلينا أن نحسن المعاملة معهما ونقدم لهما الرعاية والاهتمام الكبيرين بالتساوي. يجب أن نتذكر أنهما قدما لنا الكثير من الحب والرعاية طوال حياتنا.
الالتزام بعقوق الوالدين يشمل طاعتهما والتعامل المحترم معهما في جميع الأوقات. يجب أن تستجيب لطلباتهم ونساعدهم في كل ما يحتاجونه. فعندما نطيع الوالدين، فإننا نطيع الله تعالى، لأنه أمرنا بذلك في القرآن الكريم.
على الجانب الآخر، ينبغي علينا أن نتجنب معصية الوالدين وعدم ارتكاب المحرمات التي قد تغضبهم. يجب علينا أن نكرمهم ونحترمهم في جميع الظروف، حتى لو كانوا غير مسلمين. فالوالدين يستحقان منا أعلى مستوى من الرعاية والاحترام، بغض النظر عن اختلاف الاعتقادات الدينية.
لن ننسى أن العقوق بالوالدين يتضمن أيضًا الدعاء لهما وتقديم المساعدة لهما في مرحلة الشيخوخة. يجب أن نكون مستعدين لرد اطيب ما قدماه لنا طوال سنين حياتهما، ونعبر عن شكرنا وامتناننا تجاههما.
في الختام، عقوق الوالدين هو واجب إسلامي يجب أن نلتزم به بالكامل وبحسن نية. لا تقدم علينا السعادة والنجاح في الدنيا والآخرة إلا من خلال البقاء على اتصال وثيق ومحافظة على حسن العلاقة مع والدينا.