الناس على دين ملوكهم
الناس على دين ملوكهم من قائلها؟ يقول ابن كثير – رحمه الله – في ترجمة الوليد بن عبد الملك، إن همة الوليد كانت موجودة في البناء، وكان الناس في ذلك الوقت يجتمعون ويتحدثون عن المشاريع التي قاموا بها، ويسألون بعضهم البعض عما بنوه وعمروه.
وكانت همة أخيه سليمان تتمحور حول النساء، حيث كان الناس يجتمعون ويتحدثون عن عدد الزيجات التي تمت لهم وعن متاعبهم المنزلية.
أما عمر بن عبد العزيز، فكان يكثر من قراءة القرآن الكريم ويكرس وقته للصلاة والعبادة. وكان الناس في هذا الوقت يتجاذبون الأسئلة حول كم كمية القراءة التي قاموا بها وكم ورد يقرؤوا يومياً وعن صلاتهم في الماضي.
ثم يختم ابن كثير تلك الفقرات بالقول “الناس على دين ملوكهم“، وهو يعني بذلك أن الناس في ذلك الوقت كانوا يتشابهون في الهموم والاهتمامات وكانوا يسألون بعضهم البعض عن النجاحات والتحديات التي واجهوها في حكمهم وملوكهم.
الناس على دين ملوكهم
قد قال أصحاب التواريخ في كتبهم قصصًا عن زمن الحجاج وتلاقي الناس فيه، حيث كان يتساءلون عن المجرمين المتسببين في قتل البارحة، الذين تم صلبهم، والمجندين، والذين تم قطعهم، وغيرها من الأحداث المأساوية التي كانت تحدث في ذلك الزمن العصيب.
ومع قدوم الوليد بن عبد الملك، تغيرت مصالح الناس واهتماماتهم، حيث أصبح المهتمين يتساءلون عن بناء المصانع وتنمية البنية التحتية، وكيفية الحفاظ على الممتلكات والضياع الذي كان يحدث. كما كان للوليد بن عبد الملك اهتمام كبير بشق الأنهار وغرس الأشجار، مما جعل الناس يتناقشون ويستعرضون هذه القضايا في مجالسهم وأنشطتهم اليومية.
وعندما تولى الحكم سليمان بن عبد الملك، تغير الحديث العام وانتقل إلى الأطعمة الرفيعة والولائم الفخمة التي كان يعدها الملك، كما كانت الأنكحة والزيجات والأسرار الشخصية تشغل بال الناس وتحتل مجالسهم ومحادثاتهم اليومية ومن هنا صدقت مقولة الناس على دين ملوكهم.
وبعد تولي عمر بن عبد العزيز الحكم، تغير الحديث مرة أخرى وانتقل إلى العبادة والثقافة الأدبية، حيث كانت الأسئلة تتراوح بين كمية القرآن التي يحفظها الأشخاص وعدد الأجزاء التي يتم ذكرها في كل ليلة، وما إلى ذلك من أسئلة تتعلق بالعبادة والتزامات الإسلامية. كما كان يتم مناقشة ومدح أشخاص محددين على حسب قدراتهم في حفظ القرآن وصومهم وأدائهم الشهري.
في النهاية، يمكننا أن نلاحظ أن تأثير الحكام والأحداث التاريخية يلعب دورًا كبيرًا في تشكل اهتمامات الناس ومجالسهم، حيث ينعكس هذا الأمر في أسئلتهم ومحادثاتهم اليومية. عليهم أن يفهموا أن القدرة على تغيير المجتمع لا تكمن فقط في الدعاة والعلماء، بل في جميع الأفراد وخاصة الحكام الذين لديهم القدرة الفعلية على إحداث تغيير حقيقي في المجتمع.
الكثير من العلماء والدعاة والوعاظ ينسحبوا من مواجهة الظلم والباطل، وبدلاً من ذلك يلقون اللوم على أنفسهم وعلى الشعوب. ليس هذا من أجل تحقيق التغيير، بل للاستراحة والهروب من المسؤولية. ومع ذلك، تبقى نفاذية الحكام مؤثرة بشكل كبير على حياة الناس وعلى اجيالهم.
في أوقات الاستبداد، تحرص السلطة على تشجيع الناس على اعتبار وممارسة ما تعتقد وتؤمن به. إذا أرادت السلطة الناس أن يكونوا سعداء، سيكونون كذلك. وإذا أرادت أن يكونوا حزينين ومكتئبين، ستتمكن من جعلهم كذلك فالناس على دين ملوكهم.
غالبًا ما نسمعه عبارة “كيفما تكونوا يولى عليكم بين الشعوب”، ويرددها بشكل خاص بعض الشعوب التي تعاني من هزيمة نفسية، نتيجة فساد حكامها. وليس من النادر أن تنقلها العلماء والدعاة نصيحة للأمة، لإحضار تغيير من خلال تحسين أنفسهم. ويبدو أنهم يرون أن الحل الحقيقي لتحسين حكامهم يكمن في تحسين أنفسهم وشعوبهم.
إن الصراع من أجل التغيير هو في جوهره صراع للحكم والسلطة. فكل تحركات الإصلاح والفساد تهدف في النهاية للوصول إلى هذه الحكم والسلطة. ومن يصل إلى هذا المركز ويسيطر عليه، سيجبر الناس على اتباع أفكاره وأخلاقه وسلوكه. وبالتالي، يمكن اعتبار الصراع من أجل التغيير بمثابة صراع لاستيلاء الحكام والسلطة.