
وإذا بلغت الحلقوم … القرآن الكريم هو كتاب الله الذي أنزله هدى ورحمة للبشرية ومن بين آياته التي تحمل معاني عميقة وتفاصيل مؤثرة في حياة الإنسان وسلوكه تأتي الآية الكريمة من سورة الواقعة: “فَلَوْلَا إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ”هذه الآية تتحدث عن لحظة فاصلة في حياة الإنسان وهي لحظة الاحتضار.
معني وتفسير وإذا بلغت الحلقوم
وإذا بلغت الحلقوم :في هذه الآية يحدثنا الله تعالى عن اللحظة الحرجة التي يصل فيها الإنسان إلى مرحلة خروج الروح من الجسد وهي حالة تنتهي عندها القدرة البشرية على التحكم والتصرف حيث يقترب الإنسان من عالم الآخرة ويفقد سيطرته على عالم الدنيا هذه اللحظة تجسد تماماً الهشاشة البشرية وحتمية الموت مما يجعلها تذكيرًا قويًا بضعف الإنسان أمام قوة الله وعظمته.
وإذا بلغت الحلقوم :الكلمة “الحلقوم” تشير إلى الحلق وهي المكان الذي تمر منه الروح عند خروجها من الجسد وهذه الصورة القرآنية تضع الإنسان أمام حقيقة لا مفر منها وهي أن الحياة الدنيوية مهما طالت ستنتهي بالموت وأن هذه اللحظة لا يمكن لأحد تجنبها أو التنبؤ بها بدقة.
تأتي الآية الكريمة في سياق سورة الواقعة التي تتناول مشاهد القيامة وأهوالها وتذكر المؤمنين والكافرين بمصيرهم المحتوم هذا التذكير ليس مجرد تهديد بل هو دعوة للتفكر والتوبة والعمل الصالح قبل أن تأتي تلك اللحظة الحاسمة التي لا يمكن بعدها العودة أو الإصلاح.
ما هي أهمية هذه الآية “وإذا بلغت الحلقوم ”
- تأكيد على حتمية الموت: كل إنسان مهما طال عمره أو ازدهرت حياته سيصل إلى هذه اللحظة مما يوجب عليه الاستعداد لها بالإيمان والعمل الصالح.
- تذكير بالآخرة: حيث يتجاوز الإنسان عالم الدنيا إلى عالم الآخرة بما يحمل من حساب وجزاء.
- دعوة للتفكر: تشجع الآية على التأمل في الحياة والموت والعلاقة بينهما مما يمكن أن يقود الإنسان إلى تصحيح مساره في الحياة وفق هدى الله.
- تقدير النعم: إدراك أن الحياة هبة يجب أن تُستغل في الطاعة والعمل الصالح لأن نهايتها آتية لا محالة.
تفسير آية ” وإذا بلغت الحلقوم “
في هذه الآية يستخدم الله سبحانه وتعالى أسلوبًا يشبه الأسلوب الاستفهامي التأملي حيث يطرح على الإنسان سؤالًا غير مباشر يتضمن إنكارًا لقدرة البشر على التحكم في تلك اللحظة الحاسمة فحينما تصل الروح إلى الحلقوم يفقد الإنسان القدرة على إعادة الروح أو تأجيل خروجها هذا الموقف يبرز ضعف الإنسان وقلة حيلته أمام قضاء الله.
في التفاسير الإسلامية تبرز عدة نقاط مهمة لفهم هذه الآية:
- الروح عند الحلقوم: تعني وصول الروح إلى منطقة الحلقوم عند لحظة الاحتضار وهذا تعبير عن المرحلة النهائية لخروج الروح من الجسد.
- عدم القدرة على التحكم: تشير الآية إلى عجز الإنسان عن التحكم في مصيره عند تلك اللحظة فهو لا يستطيع منع خروج الروح أو إعادتها إلى الجسد.
- دلالة الاستفهام: الاستفهام هنا يحمل معنى التوبيخ والتذكير بعجز الإنسان أمام قدرة الله المطلقة وهو ما يوجب التفكير في قدرة الله وضعف الإنسان.
هذه الآية ببلاغتها ومعانيها العميقة تعد واحدة من الأدوات القرآنية التي تستهدف تحريك الضمير الإنساني وتنبيهه إلى أهمية الاستعداد للآخرة والعمل بما يرضي الله في الحياة الدنيا.
تفسير الآيات من 83 إلى 89 من سورة الواقعة
نص الآيات:
{فَلَوْلا إِذا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ (83) وَأَنْتُمْ حِينَئِذٍ تَنْظُرُونَ (84) وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ وَلكِنْ لا تُبْصِرُونَ (85) فَلَوْلا إِنْ كُنْتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ (86) تَرْجِعُونَها إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (87)}.
تفسير الآيات:
الآية 83: “فَلَوْلَا إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ”
الآية تصف لحظة الاحتضار عندما تبلغ الروح الحلقوم وهي اللحظة التي يتوقف عندها كل عمل بشري وتقترب الروح من الخروج من الجسد تشير هذه الآية إلى الحتمية التي يواجهها كل إنسان وهي حتمية الموت ولا يمكن لأحد أن يتجنبها أو يؤخرها.
الآية 84: “وَأَنتُمْ حِينَئِذٍ تَنظُرُونَ”
في هذه الآية يوضح الله أن أقرباء وأصدقاء المحتضر يقفون حوله يشاهدون هذا المشهد لكنهم عاجزون عن فعل أي شيء فهم يرون الحالة لكن لا يملكون القدرة على تغيير المصير.
الآية 85: “وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنكُمْ وَلَـٰكِن لَّا تُبْصِرُونَ”
الله تعالى يذكر هنا قربه من الإنسان في تلك اللحظة الحرجة فهو أقرب إليه من أهله وأصدقائه لكن هذا القرب ليس محسوسًا بالحواس البشرية فهو أقرب بالعلم والإحاطة الإلهية.
الآية 86: “فَلَوْلَا إِن كُنتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ”
تشير الآية إلى أنكم إذا كنتم غير مؤمنين بالمحاسبة والدينونة فحاولوا إرجاع الروح إن كنتم قادرين هذا تحدٍّ لمنكر البعث والمحاسبة بأن يثبت قدرته على إرجاع الروح إذا كان لا يؤمن بالدينونة.
الآية 87: “تَرْجِعُونَهَا إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ”
هذا استفهام إنكاري توبيخي حيث يتحدى الله الناس بأن يعيدوا الروح إذا كانوا صادقين في إنكارهم للبعث والمحاسبة والآية تبرز العجز البشري أمام قوة الله.
الآية 88: “فَأَمَّا إِن كَانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ”
الآية تشير إلى حال المؤمن المقرّب من الله عند موته والذي كان يطيع الله ويؤدي واجباته هؤلاء المقرّبون لهم مصير مختلف عن غيرهم.
الآية 89: “فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّةُ نَعِيمٍ”
الآية توضح جزاء المقرّبين عند الله: الروح وهي راحة النفس من كل تعب الدنيا والريحان وهو راحة الحواس واستبشاره وجنة النعيم وهي المقام الدائم في الجنة بما فيها من خيرات ونعيم.
هذه الآيات تصور لحظة الاحتضار ومصير الروح عند خروجها من الجسد مع التركيز على حالة الإنسان وعدم قدرته على التحكم في مصيره عند تلك اللحظة الحاسمة تبدأ بالتذكير بأن الروح تبلغ الحلقوم حيث يصبح الإنسان عاجزًا عن رد الروح رغم وجود أهله وأحبائه حوله الله يؤكد قربه في تلك اللحظة وهو قرب علمي وإحاطي ويتحدى المنكرين بأن يعيدوا الروح إذا كانوا لا يؤمنون بالحساب ثم تبيّن الآيات مصير المؤمنين المقرّبين حيث يجدون الراحة والنعيم في الجنة مما يشجع على العمل الصالح والتقرب إلى الله في الحياة الدنيا.
الختام
تذكرنا هذه الآيات بأن الحياة الدنيا مؤقتة والموت ليس نهاية المطاف بل بداية لمرحلة جديدة من الحساب والجزاء ولذلك من الحكمة أن يسعى الإنسان لإرضاء الله بالعمل الصالح والتوبة عن الذنوب ليلقى الله وهو راضٍ عنه ويكون من أصحاب اليمين أو المقربين الذين ينعمون بالجنة ونعيمها.
نسأل الله أن يجعلنا من أهل الإيمان والحق وأن يغفر لنا خطايانا ويثبتنا على الصراط المستقيم إنه سميع مجيب.