بروين حبيب: يشهد المملكة حراكاً ثقافياً يجذب تفاعل مثقفي العالم
بروين حبيب، شاعرة وباحثة أكاديمية وإعلامية بحرينية، تبرز بإبداعها في الحقل الثقافي والأدبي. تمتاز بقدرتها على كتابة الشعر وممارسة النقد بشغف، إضافة إلى تقديم برامج ثقافية تتميز بفخامة الأسلوب وعمق الأسئلة. تحظى بروين حبيب بحضور ملحوظ في المهرجانات كضيفة أو محكمة، حيث تسهم بإضافات ثقافية وأدبية قيمة. في زيارتها للمملكة العربية السعودية، أعربت في حوار مع جريدة “الرياض” عن إعجابها بالتغييرات الإيجابية في المجتمع السعودي، مشيرة إلى حضور المرأة وانفتاح الشباب. تتمتع بروين بعلاقات وثيقة مع عدد من القامات الثقافية في المملكة، وتم استضافتها لقاءات مثل عبدالله الغذامي ومعجب الزهراني وغيرهم.
كيف تمكنتِ من توازن تجربتك الإعلامية مع تألقك في الإبداع الشعري؟ إذ تتمتعين بحضور ملحوظ في المشهد الشعري العربي، وفي الوقت نفسه تُعرفين كإعلامية محترمة في الساحة الإعلامية العربية؟
التجربة الإعلامية والإبداعية تشتركان في الربط بين الثقافة والكتابة، لكنني أقر بأن الإعلام يستحوذ بشكل كبير على جانب الإبداع لدي، فهو مهنة تستنزف الطاقة على مدار السنوات. خاصة الإعلام التلفزيوني يتطلب استعدادًا ذهنيًا وبدنيًا واجتماعيًا، بينما يتمتع الإبداع بالعزلة مع الذات، وهو ما لم يكن متاحًا لي كثيرًا خلال ربع قرن من العمل الإعلامي. ومع ذلك، عندما يأتي الوقت لكتابة القصيدة، نندمج في عالمها وننقاد لأوامرها لتقودنا إلى حيث تشاء.
لماذا لم تفكري في جمع مقابلاتك مع عدد كبير من المبدعين العرب في مجلدات كما فعل الأستاذ الكبير محمد رضا نصر الله، وبذلك أثريتِ الساحة العربية بهذه المشاركات؟
تراودني هذه الفكرة، فهي حاضرة في ذهن كل من يمتلك مجموعة كبيرة من المقابلات، حيث اعتمد بعضها في الدراسات الأكاديمية. أرشيفي من الحوارات، الذي يتجاوز مئات الحلقات، يشكل مكتبة حقيقية بفضل نوعية الضيوف والمواضيع التي تناولناها. في الواقع، لا أملك الوقت ولا الرغبة لجمع هذه المقابلات، لكن هذا لا يمنعني من تقديم مختارات منها ونشر ما يستحق البقاء، إذ هناك حوارات تجاوزها الزمن أو ارتبطت بحدث معين. كما أن المقالات التي أنشرها عن الذين قابلتهم وذكرياتي معهم تعوض بعض الشيء عن هذا التقصير.
ما الذي قدمته لك قناة دبي بعد عملك فيها لمدة تقارب العقدين، وما الذي جعلك تكتفين بالعمل معها دون الانضمام إلى بقية القنوات العربية؟
التحقت بروين حبيب بقناة دبي في أواخر عام 1999، عندما كانت في ذروة حضورها في المشهد الفضائي العربي. أتاحت لي القناة الوصول إلى بيوت المشاهدين العرب والمغتربين، وحققت أحلامي كطالبة شابة بلقاء الأسماء البارزة التي كنت أقرأ لها. قدمت لي المهنية عبر التعرف على كبار المتخصصين في الإخراج والإعداد والتصوير من مختلف أنحاء العالم العربي. كذلك، أشركني القناة في مبادرات كبيرة مع مكتب الشيخ محمد بن راشد، مثل تحدي القراءة العربي. إذا كانت انطلاقتي من تلفزيون البحرين، فإن تحقيق ذاتي جاء مع قناة دبي.
هل يعتبر الشعر الحديث تجربة عاطفية شعورية أم تجربة فكرية معرفية؟ أيهما، برأيك، يحمل أهمية أكبر؟
أنا لا أؤيد هذه الثنائيات التي تضعنا بين خيارين متضادين كالأبيض والأسود. فكل قصيدة تعتمد فقط على العاطفة تكون تجربة مراهقة ساذجة، وكل قصيدة تعتمد فقط على المعرفة تتحول إلى مقال فكري. الشعر هو لغة الروح، يُبنى أحياناً على تجربة عاطفية محاطة بتراكم معرفي من خلال القراءات والتأمل. الجمع بين العاطفة والمعرفة في الشعر إلى حد التماهي هو حلم كل شاعر.
هل هناك ضيف مازال لقاؤك معه عالقاً في ذهنك؟ ولماذا؟
بالطبع، هناك ضيوف يتركون أثراً لا يمحى. من هؤلاء الشاعر الليبي سالم العوكلي، الذي عرف سجون بلده. أسرني تواضعه و اكتفائه بذاته، كان يحدثني عن شعره وزوجته دون أن تبهره الفخامة. وأيضاً الشاعر المصري حلمي سالم، الذي بكى بعد سماع المقدمة وطلب استراحة لتأثره. كذلك العظيمة ببساطتها رضوى عاشور، التي تجسد نفسها كالبنت الاشتراكية المتطابقة مع تنظيراتها. أذكر أيضاً الشاعر التونسي محمد الصغير أولاد أحمد، الذي تحدث عن طفولته البائسة دون عقدة أو متاجرة بها. ارتبطت بصداقات مع كثير من ضيوفي، وأعجبني تواضع النجوم مثل نور الشريف واهتمامه بمعجبيه.
المملكة تشهد تطوراً ثقافياً كبيراً. ما هو رأيك في هذا التطور؟
بروين حبيب ما حدث في السنوات الأخيرة في المملكة مذهل. بفضل حرص القيادة الشابة، وعلى رأسها سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، على إحداث نقلة نوعية في الثقافة، شهدت المملكة اهتماماً كبيراً بالسينما والمسرح والترفيه، مما أحدث حراكاً واسعاً تفاعل معه المثقفون من العالمين العربي والغربي. حضوري مؤخراً لـ”مؤتمر النقد السينمائي الدولي” أتاح لي الفرصة لملاحظة التفكير الطليعي والرغبة في تطوير قطاعات فنية كانت حتى وقت قريب تُخلي مكانها للثقافة الكلاسيكية. أنا واثقة أن السنوات القادمة ستشهد تحقيق المملكة لمكانتها المستحقة في الريادة الثقافية.
لقد قمت بعدة زيارات إلى المملكة. هل يمكنك أن تحدثنا عن تلك التجارب؟
بروين حبيب زرت المملكة العديد من المرات، قمت بالسفر من البحرين لزيارة مكتباتها واقتناء الكتب التي لم أكن أجدها في بلدي، كما قمت بأداء العمرة وشاركت في عدة فعاليات مثل مؤتمر النقد السينمائي ومهرجان البحر الأحمر في جدة، بالإضافة إلى حضور أمسيات في معرض الكتاب. أنجذبت بشدة إلى التغييرات الإيجابية في المجتمع السعودي، لا سيما حضور المرأة وانفتاح الشباب. لدي صداقات كثيرة في المملكة، وقمت بإستضافة عدد من قادتها الثقافيين مثل: عبد الله الغذامي، معجب الزهراني، سعد البازعي، تركي الحمد، وتركي الدخيل. أعتقد أن الشعب السعودي يستحق كل النهضة الثقافية والاجتماعية التي يشهدها حالياً.
هل صحيح أنك كنتِ غير مقتنعة بالشعر العمودي لفترة طويلة؟
في فترة من تكويني الأدبي، لم أكن مقتنعة بالشعر العمودي بسبب رغبتي في تحدي الأساليب الأدبية التقليدية، حيث يناقش الشباب غالباً الجدران التي يقف آباؤهم على أساسها في الأدب، ويتمردون على التقاليد الشعرية التي تمثلها. في مرحلة مراهقتي، قد كتبت بعض الشعر العمودي الذي لم يرضيني، حيث كانت تجارب أعتبرها الآن مجرد تمارين في الشعر. لكنني وجدت في القصيدة النثرية مساحة أوسع للتعبير والتفكير، والتي أتيحت لي فيها فرصة أكبر لتجربة توسيع المعاني واستكشاف أعماق نفسي.الآن، أجد نفسي قد تصالحت مع الشكل الشعري بغض النظر عما إذا كان عمودياً أم لا، شرط أن يكون ما أكتبه صادقاً ويحمل روح الشعر.
من هم الشعراء الذين تثير قصائدهم إعجاب بروين حبيب وتجعلها تتوقف عن التحدث؟
في السابق، كنت أميل إلى الشاعر بشكل أكبر، ولكن مع التجربة، أصبحت أميل أكثر إلى القصيدة نفسها. ومن بين التجارب التي أراها أقرب إلى الكمال الشعري، تجربة قاسم حداد في البحرين، والتي استمرت لأكثر من نصف قرن بقيادته الشعرية. كان محمود درويش محطة أخرى كبيرة بفضل قدرته الاستثنائية على دمج الغنائية والبناء الفكري والتأمل الفلسفي. لاحظت تجربة الشاعر السعودي محمد الثبيتي، ومحاولة جاسم الصحيح لإحياء الحداثة في القصيدة العمودية. أيضًا، تلفتني أصوات نسائية مثل شاعرة حمدة خميس، خاصة أن رسالتي للدكتوراة كانت حول شعر المرأة في الخليج. وأخيرًا، كما قال نزار قباني: “فالصمت في حرم الجمال جمال”.
لماذا اخترت الكتابة عن “تقنيات التعبير في شعر نزار قباني؟”
بروين حبيب في مقدمتي لمختارات نزار قباني التي أصدرتها دار هاشيت اللبنانية، وصفت قصتي معه كقصة عشق، ولم أتخلى عن هذا العشق إلا عندما قمت بشرح شعره بشكل نقدي في رسالة الماجستير بنصيحة من أستاذي الدكتور صلاح فضل، للتخفيف من شغفي الكبير تجاهه. بدأت عشقي لنزار كما يبدأ عشق المراهقات، عاطفيًا وعميقًا، حيث زرت بيته في لندن، ومن ثم شاركت هذا العشق مع شعراء آخرين وقصائد أخرى، وما زال تأثيره يظل في ذاكرتي بسبب الحنين والذائقة الشعرية.
هل تعتقد أن تأثير المناهج الغربية على النقد الأدبي المعاصر يُعتبر حالة إيجابية؟
لا شك أن المناهج الغربية، سواءً في بنيوية النصوص، أسلوبياتها، نظريات التلقي، أو التفكيكية، قد أضافت قيمة كبيرة للنقد الأدبي المعاصر. هذه المناهج لم تحد من النقد إلى حدود البلاغة القديمة، بل جعلته يتطور إلى ممارسة محكومة بضوابط ومفاتيح تحليل النصوص. بفضل هذا التأثير، تغيرت النصوص الإبداعية نفسها واندمجت مع الفنون الأخرى مثل السينما والموسيقى والمسرح، مما أدى إلى توسيع آفاق النقد وإعطائه أدوات جديدة لفهم وتحليل التجارب الأدبية الحديثة. ومع ذلك، يجب علينا أن نحافظ على استقلالية النصوص وعدم تلويثها لتتناسب مع هذه المناهج، لنضمن استفادتها الكاملة من هذه التقنيات دون فقدان هويتها الأصلية.
متى تعتقد بروين حبيب أنها وصلت إلى نقطة التعب وأن الوقت قد حان للاستراحة؟
بروين حبيب أتمنى أن لا يحين ذلك اليوم قريبًا، فلدي الكثير من الأحلام المؤجلة في مجالات الوثائقيات، السينما، والشعر. يأتي أحيانًا وقت الراحة القصيرة التي أسميها “فترة الصمت النبيل”، حيث أطفئ جهازي وأشعل في نفسي الصمت والتأمل. خلال هذه الفترة، أراجع ذاتي وأخطط للمستقبل، بعيدًا عن ماراثون اللقاءات والمنتديات والفعاليات، مما يسمح للطفلة الداخلية بالتمتع بلحظات من الفرح والبراءة.